جوجل توسّع قدرات الذكاء الاصطناعي في البحث… مزايا بصرية متقدمة تغيّر مستقبل التفاعل مع محرك البحث

في خطوة تُعد من أبرز تحركاتها في مجال الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام الأخيرة، أعلنت شركة جوجل عن توسّع كبير في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن محرك البحث، مع إدخال مزايا بصرية متقدمة تُعيد تعريف تجربة المستخدم بشكل كامل.
هذا التحديث لا يُمثل مجرد تحسين على النظام القائم، بل يعدّ تحوّلاً جذريًا في الكيفية التي يتفاعل بها الأشخاص مع محركات البحث، وكيفية عرض وفهم المعلومات.
الذكاء الاصطناعي يغير قواعد اللعبة في البحث
منذ اللحظة التي بدأت فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي بالتسلل إلى بنية محركات البحث، بدأت مفاهيم مثل “البحث التقليدي” تتلاشى تدريجيًا. لم تعد الاستعلامات النصية المحدودة هي الوسيلة الوحيدة للحصول على المعلومات. بدلاً من ذلك، أصبح بإمكان المستخدم التفاعل مع النظام بطرق متعددة: بالصوت، بالصورة، وحتى بالجمع بين الاثنين.
ومع إطلاق جوجل لوضع “البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي” (المعروف اختصارًا بـ SGE)، بدأت الشركة فعليًا بدمج نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) في صميم آلية البحث. لكن النقلة الجديدة تتجاوز النص إلى ما هو أكثر تطورًا: البحث البصري القائم على الفهم السياقي المتقدم.
ماذا تعني “المزايا البصرية المتقدمة”؟
يشير مصطلح “المزايا البصرية المتقدمة” إلى قدرة محرك البحث على تحليل الصور، الفيديوهات، والرسوم البيانية باستخدام نماذج ذكاء اصطناعي متطورة قادرة على فهم المحتوى البصري كما لو كان بشريًا.
ولكن جوجل لم تتوقف عند هذا الحد، بل طورت النظام ليكون قادرًا على تفسير العلاقات السياقية في المحتوى المرئي، والتفاعل مع المستخدم بناءً على ذلك.
مثال عملي: لو قمت برفع صورة لجهاز إلكتروني لا تعرف اسمه، يمكن لمحرك البحث أن يحدد نوع الجهاز، وطرازه، ويُقدم لك معلومات عنه، مثل السعر، تقييمات المستخدمين، وأماكن الشراء… كل ذلك في غضون ثوانٍ، وبدون أن تكتب كلمة واحدة.
محرك بحث متعدد الوسائط
لطالما كان دمج الوسائط أحد الأهداف البعيدة لمحركات البحث. لكن مع تحديثات جوجل الجديدة، أصبحت هذه الفكرة واقعًا ملموسًا. المستخدم لم يعد محصورًا في قالب النص، بل يمكنه التفاعل مع محرك البحث باستخدام:
- الصور: رفع صورة ليتم تحليلها آليًا وفهم محتواها.
- الفيديوهات: قص مشهد من فيديو للحصول على تفاصيل أكثر عنه.
- الصوت: استخدام أوامر صوتية أكثر دقة وسياقًا.
- المزج بين الوسائط: مثل تحميل صورة وطلب معلومات عنها عبر سؤال صوتي.
هذا الدمج المتقدم للوسائط يرفع من دقة النتائج، ويُقلل من الوقت اللازم للحصول على المعلومة، ويُوفر تجربة استخدام أكثر ثراء.
واجهة المستخدم الجديدة: تجربة مرئية تفاعلية
واحدة من أهم التحسينات التي جاءت مع هذا التوسّع هي واجهة المستخدم الجديدة، التي تم إعادة تصميمها بالكامل لتناسب هذا التحول الذكي. الواجهة الآن تُركّز على:
- عرض النتائج بشكل بصري جذّاب مع استخدام الذكاء الاصطناعي لترتيبها حسب السياق.
- تقديم خلاصات معلوماتية مباشرة في أعلى الصفحة (مشابهة لما تقوم به خاصية Google Snippets، ولكن أكثر ذكاءً).
- دعم العرض التفاعلي للصور والفيديوهات ضمن النتائج.
- ظهور مساعد ذكي على الجانب، يمكن التفاعل معه مباشرةً لطلب مزيد من التفاصيل أو تغيير صيغة السؤال.
دور الذكاء الاصطناعي التوليدي في تقديم الإجابات
جوجل الآن تستخدم نماذج ذكاء اصطناعي توليدي (مثل PaLM وGemini) لإنشاء ملخصات وإجابات طويلة ومُبسطة بناءً على ما يبحث عنه المستخدم. هذه التقنية لا تعتمد فقط على الكلمات المفتاحية، بل على فهم نية المستخدم وسياق البحث.
فمثلًا، عند البحث عن “أفضل الهواتف الذكية للتصوير في 2025″، فإن جوجل لا تكتفي بإظهار قائمة أجهزة، بل تقدم ملخصًا دقيقًا يشرح لك الميزات البارزة لكل جهاز، وتوصية بناءً على نوع الاستخدام الذي تبحث عنه، سواء كنت محترف تصوير أو مستخدم عادي.
التكامل مع أدوات Google الأخرى
أصبح محرك البحث أكثر تكاملًا مع بيئة جوجل الرقمية، مثل:
- Google Lens: الذي تطور ليُصبح مركزًا للبحث البصري الذكي.
- Google Maps: لتقديم نتائج مرئية تفاعلية تشمل الخرائط، المواقع، وتقييمات الأماكن.
- Google Shopping: لإظهار المنتجات ذات الصلة مباشرة من خلال الصور مع أسعار ومقارنات.
- Google Translate: لترجمة النصوص داخل الصور فورًا أثناء البحث.
الخصوصية والأمان: معايير مشددة للحماية
رغم هذه القدرات الهائلة، لم تغفل جوجل عن أهمية الخصوصية. فقد تم دمج خوارزميات أمان متقدمة في النظام لضمان أن المحتوى المرئي المُحلل لا ينتهك حقوق الأفراد أو يُستخدم لأغراض خبيثة. كما تم تحسين إعدادات الخصوصية لمنح المستخدم قدرة أكبر على التحكم في بياناته، خاصةً في عمليات البحث التي تشمل صورًا أو مقاطع شخصية.
التأثير على مستقبل التسويق الرقمي وSEO
من المؤكد أن هذا التوسع في القدرات البصرية والذكاء الاصطناعي سيؤثر على استراتيجيات التسويق الرقمي وتحسين محركات البحث (SEO). فبدلًا من التركيز فقط على الكلمات المفتاحية، بات من الضروري الآن:
- تحسين الصور وملفات الوسائط من حيث الجودة والبيانات الوصفية (Metadata).
- اعتماد التنسيقات المتوافقة مع فهم الذكاء الاصطناعي.
- تضمين محتوى مرئي ذكي يمكن لمحرك البحث تفسيره بسلاسة.
- استخدام فيديوهات تفاعلية وقابلة للتحليل داخل الصفحات.
مستقبل البحث… تجربة شخصية وذكية
ما تقوم به جوجل اليوم ليس مجرد تطوير تقني، بل هو فتح لباب جديد من التفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا. البحث لم يعد مسألة إدخال كلمات وانتظار النتائج، بل أصبح رحلة تفاعلية يوجهها الذكاء الاصطناعي بناءً على فهم عميق لسلوك المستخدم، واحتياجاته، وسياق بحثه.