“ميتا” تفرض قيود جديدة على البث المباشر في انستغرام

في خطوة جريئة وملفتة للانتباه، أعلنت شركة “ميتا” المالكة لتطبيق “إنستغرام” عن فرض قيود جديدة على خاصية البث المباشر (Instagram Live)، وذلك بمنع المستخدمين دون سن 16 عاماً من استخدامها. هذا القرار يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تتخذها الشركة لتعزيز سلامة المراهقين على منصاتها الرقمية، في وقت تتزايد فيه الضغوط على شركات التكنولوجيا من الجهات التنظيمية حول العالم لاتخاذ تدابير فعّالة لحماية الأطفال والمراهقين من التهديدات الرقمية والمحتوى غير اللائق.
فهل تمثل هذه الخطوة تحولاً حقيقياً في طريقة إدارة المنصات الاجتماعية لأمان المستخدمين القصر؟ أم أنها مجرّد محاولة للتهرّب من النقد المتزايد؟ في هذا المقال الحصري، نغوص في تفاصيل القرار، دوافعه، آثاره المتوقعة، وردود الفعل عليه، مع تحليل شامل يسلط الضوء على أبعاد القضية من مختلف الزوايا.
خلفية القرار: لماذا الآن؟
جاء هذا التحديث في ظل تصاعد القلق العالمي بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية والنمو السليم للمراهقين. منصات مثل “إنستغرام” أصبحت ساحات مزدحمة يتلاقى فيها الملايين، وتُبث من خلالها محتويات غير خاضعة للرقابة الكافية، ما يجعل المستخدمين الصغار عرضة للمخاطر.
الميزة الأهم في البث المباشر هي التفاعل اللحظي، لكنه في ذات الوقت يشكل بيئة خصبة لظهور محتويات قد تكون ضارة نفسيًا أو سلوكيًا، من تنمر إلكتروني إلى تحرش لفظي أو حتى تحديات غير آمنة.
من هنا، اختارت “ميتا” أن تتدخل عبر فرض حد عمري جديد، ليتمكن المستخدم من بث محتوى مباشر فقط إذا كان يبلغ 16 عامًا أو أكثر.
آلية التنفيذ: كيف سيُطبّق الحظر؟
بحسب ما أوضحته “ميتا” في تفاصيل القرار، فإن آلية الحظر ستُطبق تلقائيًا من خلال نظام التحقق من العمر عند التسجيل أو عند تحديث التطبيق. سيُمنع المستخدم الذي لم يبلغ 16 عاماً من الوصول إلى زر البث المباشر، حتى وإن كان يملك عدد متابعين كبيراً أو يتفاعل بانتظام على المنصة.
في المقابل، سيستمر هؤلاء المستخدمون في التفاعل مع المحتوى المباشر للآخرين من خلال المشاهدة أو التعليق فقط، دون إمكانية البدء ببث مباشر خاص بهم.
حماية المراهقين: بين النظرية والتطبيق
تقول “ميتا” إن هذا القرار يأتي في إطار تعزيز بيئة رقمية أكثر أماناً للمراهقين، لكن تبقى تساؤلات كثيرة مطروحة حول فعالية هذه الخطوة في حد ذاتها. من أبرز هذه التساؤلات:
- هل سيؤدي هذا التقييد فعليًا إلى تقليل التعرض للمحتوى الضار؟
- ما مدى دقة آليات التحقق من العمر المستخدمة؟
- كيف يمكن منع التحايل على النظام باستخدام تواريخ ميلاد مزيفة؟
صحيح أن الإجراء يُظهر نية حميدة لحماية الفئات العمرية الأصغر، إلا أن تحقيق الغاية المرجوة يتطلب ما هو أكثر من مجرد حدّ عمري تقني، بل يحتاج إلى منظومة متكاملة تشمل التوعية، الرقابة، ومرونة في التطبيق.
ردود الفعل: دعم واسع مقابل تحفظات
لاقى قرار “ميتا” ترحيباً في أوساط أولياء الأمور والخبراء التربويين، الذين يرون فيه خطوة طال انتظارها نحو تقنين المحتوى والممارسات داخل الفضاء الرقمي. فالبث المباشر بطبيعته يحمل في طياته مخاطر آنية، أبرزها التعرض لردود فعل فورية وغير متوقعة قد تؤثر على نفسية القُصَّر.
في المقابل، اعتبر بعض مستخدمي المنصة أن هذه الخطوة تمثل تقييداً لحرية التعبير وحرماناً للمراهقين من فرصة الإبداع والتفاعل، خصوصاً أن الكثير منهم يستخدمون البث المباشر لتقديم مواهبهم أو مشاركة لحظات حياتهم بطريقة طبيعية.
البث المباشر: أداة للتعبير أم ساحة للخطر؟
من الإنصاف القول إن البث المباشر يُعتبر أحد أبرز أدوات العصر الرقمي، لما يمنحه من حرية التواصل اللحظي، إلا أن استخدامه من قِبل الفئات الصغيرة قد يؤدي إلى مشكلات متعددة، أبرزها:
- الضغط النفسي الناجم عن المتابعة اللحظية والتعليقات السلبية.
- مخاطر التنمر الإلكتروني، خاصة مع غياب أدوات الحماية الذاتية الكافية للمراهقين.
- الانكشاف غير المقصود على جمهور غير معروف، ما قد يؤدي إلى مشاركة محتوى خاص أو معلومات شخصية دون قصد.
- الاستغلال، في حال تعرّض المراهق لتوجيهات غير ملائمة أو إغراءات خارجية.
كل هذه العوامل تفسر الدوافع التي دفعت “ميتا” لفرض هذه القيود، باعتبارها خطوة وقائية أولى نحو فضاء رقمي أكثر أمانًا.
تأثير القرار على المبدعين الشباب
ربما أكثر المتأثرين بهذا القرار هم صغار السن من صنّاع المحتوى الناشئين، الذين وجدوا في إنستغرام مساحة لانطلاقتهم الرقمية. فمع منع البث المباشر، قد يشعر بعضهم بالإقصاء أو الحدّ من الإبداع، خصوصاً أن هذه الفئة تتسم بالحيوية والابتكار، وغالبًا ما تجذب تفاعلاً عالياً.
لكن في المقابل، فإن هذا المنع قد يدفع إلى تحفيز الابتكار ضمن المسارات المسموح بها، كاستخدام القصص (Stories) أو الفيديوهات القصيرة (Reels) التي لا تتطلب التفاعل اللحظي، ما قد يفتح الباب أمام تقديم محتوى أكثر جودة واستقراراً.
جهود “ميتا” الأوسع لحماية الأطفال والمراهقين
قرار حظر البث المباشر ليس معزولًا، بل يأتي ضمن استراتيجية أوسع تنتهجها ميتا في التعامل مع الحسابات الصغيرة سناً. ومن أبرز الخطوات السابقة:
- جعل الحسابات الجديدة للمراهقين “خاصة” بشكل افتراضي.
- الحد من وصول المعلنين إلى بيانات المستخدمين دون السن القانونية.
- تطوير أدوات رقابة أبوية أكثر شمولاً.
- عرض رسائل توعوية للمراهقين قبل التفاعل مع محتوى حساس.
كل هذه الإجراءات تندرج في إطار سعي الشركة لتحسين سمعتها، خاصة بعد الانتقادات التي طالتها في السنوات الأخيرة بشأن تأثير “إنستغرام” على الصحة النفسية للمراهقين، لا سيما الفتيات.
ماذا بعد؟ احتمالات مستقبلية
مع هذا القرار الجديد، من المتوقع أن تُعيد “ميتا” النظر في بقية أدوات إنستغرام التي يمكن أن تشكل تحديًا لسلامة المراهقين. هناك احتمال بأن يتم:
- تقييد المراسلة الخاصة بين القاصرين والبالغين.
- الحد من ظهور محتوى معين في توصيات القاصرين.
- تطوير أدوات ذكاء اصطناعي لرصد المحتوى غير المناسب في الوقت الفعلي.
وفي المقابل، قد تستثمر “ميتا” أكثر في خلق أدوات إبداعية آمنة تسمح للمراهقين بالتعبير عن أنفسهم ضمن بيئة مراقبة، كإطلاق نسخ مصغّرة من أدوات البث أو إدراج إشراف تلقائي على المحتوى المباشر.