الريلز لم يعد للجميع… إنستغرام تجرّب ميزة المحتوى المقفل

في عصر تتحرك فيه وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة تفوق توقعات المستخدمين، وفي وقت تتقاطع فيه التكنولوجيا مع الحاجات اليومية للأفراد، تسعى كل منصة إلى تطوير خصائصها بما يواكب التوجهات الجديدة، ويزيد من ارتباط المستخدم بها، ويوسع آفاق الربح. وفي هذا السياق، تبرز إنستغرام مرة أخرى كمثال على تلك المنصات التي لا تتوقف عن التجريب والابتكار.
الجديد هذه المرة هو اختبار خاصية جديدة أطلقت عليها “الريلز المقفلة” أو Locked Reels، وهي ميزة تمثل تحولًا مثيرًا في طريقة التعامل مع المحتوى القصير داخل التطبيق.
ما هي “الريلز المقفلة”؟
الريلز المقفلة هي ببساطة مقاطع فيديو قصيرة تُنشر داخل إنستغرام كما هو الحال مع الريلز التقليدية، لكن الفارق الجوهري يكمن في أن هذه المقاطع ليست متاحة للجميع، بل يتم حصر الوصول إليها ضمن فئة معينة من المستخدمين، سواء مقابل اشتراك شهري، أو كمكافأة للمتابعين المميزين، أو ربما بطريقة أخرى تحددها المنصة لاحقًا.
هذه الخطوة تفتح الباب لتغييرات جذرية في فلسفة إنستغرام، التي لطالما كانت قائمة على المحتوى المفتوح والإتاحة المجانية.
لماذا تلجأ إنستغرام إلى هذا النوع من الخصائص؟
الإجابة على هذا السؤال تتشعب في عدة اتجاهات. أولًا، من الواضح أن إنستغرام بدأت في التركيز على توفير أدوات تحقيق الدخل للمبدعين داخل المنصة. ومن خلال إتاحة الفرصة لصناع المحتوى لتقييد الوصول إلى بعض منشوراتهم، يصبح بإمكانهم تقديم محتوى حصري، وبالتالي تحفيز المتابعين للاشتراك والدفع مقابل الوصول إلى ذلك المحتوى. هذا النموذج لا يختلف كثيرًا عن ما تقدمه منصات مثل Patreon أو OnlyFans، ولكنه داخل بيئة إنستغرام التي تتسم بطابع اجتماعي واسع الانتشار.
ثانيًا، إن هذه الخاصية تعكس تطورًا طبيعيًا في العلاقة بين المستخدم والمحتوى. فالمتابع اليوم لا يكتفي بمشاهدة مقاطع ترفيهية سريعة فحسب، بل أصبح يبحث عن محتوى ذو قيمة، موجه، وربما شخصي أكثر. ومع ذلك، فإن هذا النوع من المحتوى يتطلب جهدًا أكبر من صانع المحتوى، ولذلك يصبح من المنطقي أن يُكافأ عليه ماليًا.
هل نحن أمام تحول في فلسفة إنستغرام؟
في الماضي، كان من المستبعد أن تفكر إنستغرام في إغلاق أي نوع من المحتوى، نظرًا لاعتمادها الكبير على النشر المفتوح والانتشار الواسع. لكن الأمور تغيرت، فالمنافسة اليوم أصبحت شرسة جدًا. تيك توك تسيطر على المشهد فيما يخص الفيديوهات القصيرة، ويوتيوب تعزز خدمة Shorts، وفيسبوك يحاول اللحاق بالركب.
ووسط كل هذا، لا تملك إنستغرام خيارًا سوى أن تطور من أدواتها وتُعيد صياغة فلسفتها بما يتناسب مع المستقبل.
قد يرى البعض أن خاصية الريلز المقفلة تتناقض مع مفهوم “الانتشار الفيروسي” الذي هو جوهر الريلز، لكن الأمر ليس بهذه البساطة. ما تفعله إنستغرام هو إضافة طبقة جديدة من القيمة للمحتوى، طبقة لا تعتمد على عدد المشاهدات فقط، بل على التفاعل العميق وجودة المتابعين.
كيف يمكن أن تؤثر هذه الخاصية على صناع المحتوى؟
التأثير سيكون كبيرًا. فعلى سبيل المثال، قد يبدأ صناع المحتوى بالتفكير في تقسيم محتواهم إلى نوعين: محتوى عام مفتوح يساعد في الوصول لجمهور أوسع، ومحتوى خاص ومقفل يُقدم للمشتركين فقط.
هذه الإستراتيجية يمكن أن تخلق مصدر دخل مستدام، خصوصًا لأولئك الذين لديهم قاعدة جماهيرية وفية.
لكن في المقابل، هناك تحديات… فعلى صانع المحتوى أن يعرف كيف يصنع محتوى ذو جودة عالية بما يكفي لجعل الناس يدفعون مقابله، وهذا ليس بالأمر السهل! كما يجب أن يُراعي التوازن بين المحتوى المجاني والمدفوع حتى لا يشعر المتابعون بالإقصاء أو التمييز.
التفاعل الاجتماعي في ظل “الريلز” المقفلة
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف ستؤثر هذه الخاصية على الطابع الاجتماعي لإنستغرام؟ فالتطبيق مبني على التفاعل، التعليق، الإعجاب، والمشاركة. فهل يمكن لمحتوى مقفل أن يخلق نفس درجة التفاعل؟
ربما يكون التفاعل محدودًا من حيث العدد، لكن من حيث الجودة قد يرتفع. فالمشتركون في المحتوى الحصري يكونون عادة أكثر اهتمامًا وتفاعلًا من الجمهور العام. وبذلك يتحول إنستغرام من منصة عرض جماهيري إلى مساحة للتفاعل الخاص والعميق، حيث يتحول المتابع من مشاهد عابر إلى داعم حقيقي لصانع المحتوى.
مستقبل التسويق عبر الريلز المقفلة
مع إطلاق هذه الخاصية، قد نكون أيضًا أمام موجة جديدة من التسويق الحصري. تخيل مثلًا أن علامة تجارية تُطلق إعلانًا خاصًا عبر ريلز مقفل يظهر فقط للمشتركين في قناة أحد المؤثرين. هذا النوع من الترويج يحمل طابعًا مميزًا وموجهًا، وقد يكون أكثر فعالية من الإعلانات التقليدية.
كذلك، قد تلجأ الشركات إلى التعاون مع صناع المحتوى لإطلاق تحديات حصرية أو محتوى تعليمي، مما يضيف بعدًا جديدًا للتسويق بالمحتوى، حيث تتحول العلاقة بين العلامة التجارية والمستخدم إلى علاقة أكثر حميمية وخصوصية.
التحديات المحتملة والانتقادات
بالرغم من كل هذه المميزات، لا يمكن تجاهل التحديات والانتقادات التي قد تواجهها إنستغرام. هناك من سيقول إن الريلز المقفلة تكرس لفكرة “تجزيء الإنترنت” وتحويله إلى مساحات مغلقة تُشبه التطبيقات المدفوعة. وقد يرى آخرون أن ذلك يخلق فجوة بين المستخدمين ويُضعف من روح المشاركة والتواصل المفتوح.
وهناك أيضًا اعتبارات تتعلق بالتقنية وسهولة الاستخدام. كيف سيتم حماية المحتوى المقفل؟ وهل سيتمكن المستخدمون من مشاركة لقطات منه؟ وكيف ستتعامل إنستغرام مع عمليات النسخ غير الشرعي أو التسريب؟ كل هذه أسئلة يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار.
صحيح أن الطريق أمام هذه الميزة لا يزال في بداياته، وقد تمر بعدة مراحل من التجريب والتعديل، إلا أن فكرتها الأساسية تعكس رؤية واضحة: التحول من مجرد مشاركة لحظات عابرة إلى تقديم تجارب قيمة ومدروسة ومتقنة.